في العشر الأواخر من شهر رمضان الكريم نكهة روحانية تختلف عن العشرين يوماً الأولى، ففي هذه الأيام ينتظر الجميع الليلة التي أنزل فيها القرآن الكريم، إنها ليلة القدر، الليلة التي هي خير من ألف شهر، ليلة الدعاء المستجاب وتغيير الأقدار والأرزاق.
في هذه الليالي نعيش في رحاب أسماء الله الحسنى، التي هي ليست مجرد أسماء نحفظها وندعو بها، فلكل اسم أسراره ومعانيه.. في صحبة الإمام الطيب شيخ الأزهر ورئيس مجلس حكماء المسلمين نعيش في رحاب أسماء الله الحسنى، والتي تناولها فضيلته في برنامجه الذي يذاع عبر إذاعة القرآن الكريم وقنوات الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، والتليفزيون المصري "ماسبيرو".
** غزة صمدت باليقين بالله
أعلمنا شيخ الأزهر أن لأسماء الله الحسني أسرار، ومتى ذكرت لها تأثيرها، وليس بالضرورة ذكرها عند الدعاء لله.. فتوجه المسلمين بالدعاء والتضرع إلى الله يكون بالقلب والأكف، مؤكداً أن فضل الله واسع لمن يتعرض له سواء كان بأسماء الله الحسنى، أو التركيز بالقلب أو الشكوى، المهم أن يعتقد الإنسان أن الله هو الظاهر الوحيد له.. مشيراً إلى أن الله يستجيب للدعاء سواء كان بالأسماء الحسنى أو بغير الأسماء كما أخبرنا الرسول عليه الصلاة والسلام.
وأعطانا شيخ الأزهر مثالاً على ذلك بالشعب الفلسطيني بقطاع غزة، الذي صمد وليس بيده سكين مطبخ أو آلة عسكرية أمام أحدث منتجات المصانع العسكرية الغربية.. صمد بيقينه بالله تعالى والدعاء له.
** الألف واللام للكمال المطلق
أسماء الله الحسنى، كما ذكر شيخ الأزهر، توفيقية، مصدرها القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة، لا مجال للعقل والاجتهاد فيها. وأهل السنة يثبتون ما أثبته الله عز وجل لنفسه ـ من أسماء وصفات ـ في كتابه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم في أحاديثه، ولا مجال للعقل فيها، وهي دائرة حول صفات جمال ودلال الله وتبعث الأمل والخوف من الله عز وجل.. ولا نستطيع أن نزيد فيها، شيء أخر كشف عنه الدكتور الطيب أن أسماء الله الحسنى لا تذكر إلا مصحوبة بـالألف واللام، لأن أن "الـ " في أسماء الله الحسنى ليست للتعريف، وإنما مخصصة للكمال المطلق وذلك الوصف لا يصح أن يوصف به البشر، الذين يمكن تسميتهم بدون الألف واللام.. مثل حسيب أو كريم، لأنه لا يصح أن يوصف البشر بما يوصف به الله سبحانه وتعالى.. ولكن للعبد حظ من هذه الأسماء في سلوكه ومعاملاته مع الناس.
** الودود.. مصدر المودة والحب
وهناك أسماء تطلق على الله سبحانه وتعالى وصفاً.. ومن أسماء الوصف "الودود"، التي تعني الود والمحبة في اللغة العربية.. لذلك يجوز وصف سبحانه وتعالى بالمحب، وإن كان ذلك الاسم (أي المحب) ليس من أسماء الله الحسنى، ولكنه سبحانه يُحب ويُحَب، ومن ذلك أن الله سيأتي بقوم يحبهم ويحبونه.. و"الودود" على وزن فعول بصيغة المبالغة، ومعناه: الذي يودُّ عباده الصالحين ويحبهم.. ووفقا لأبن العربي "الوُدُّ مصدر المودَّة، والودُّ هو الحبُّ، فقد اتفق أهل اللغة على أن المودَّة هي المحبة، والفرق بين الحُبُّ والودُّ: أن الحب ما استقر في القلب، والودُّ ما ظهر على السلوك.
و"الودود" التي تعني الود والمحبة ذكرت بمشتقاتها في القرآن الكريم أكثر من 30 مرة، قال الله تعالى حكايةً عن قول شُعيب عليه الصلاة والسَّلام لقومه في سورة هود} وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ {وقال الله تعالى في سورة البروج} وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُود {.. ومن ذكر مشتقات اسم الودود بالقرآن الكريم ما جاء بسورة مريم ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾.
و"الودود" وفقا لشروح شيخ الأزهر المستندة إلى تفاسير أئمة المسلمين السابقين، تعني المحب موضحاً أن الله سبحانه وتعالى يحب عباده من خلال توفيقهم لعبادته وشكره، أما محبة العبد لله فهي تتمثل في الطاعة وكره المعصية والتوبة إليه، كما أنه سبحانه لا يحب الخائنين.. وفي ذلك السياق قال القرطبي: "فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَعْلم أَنَّ الله سبحانه هو "الْوَدُود" على الإِطْلَاق، الْمُحِبُّ لِخَلْقه، وَالْمُثْنِي علَيْهِم، والْمُحْسِن إليهِم، ثُمَّ يجِب عليه (كل إنسان مُكَلَّف) أَنْ يَتَوَدَّدَ إلى رَبِّه بامْتِثَال أَمْرِه وَنَهْيِه، كَمَا تَوَدَّدَ إِليه (ربه سبحانه) بِإِدْرَارِ نِعَمِه وَفَضْلِه، وَيُحِبّه كما أَحَبَّه، وَمِنْ حُبِّ الْعَبْد لله: رضاه بما قَضاه وقَدَّرَه، وَحُبّ الْقُرْآن والْقيام به، وَحُبّ الرَّسول صلى الله عليه وسلم، وَحُبّ سَنَّتِه والْقِيام بها".
وأشار شيخ الأزهر إلى أن القرآن الكريم ذكر أن الله يحب ويُحَب، ومن ذلك أن الله سيأتي بقوم يحبهم ويحبونه.. بقوله تعالى في سورة المائدة: }فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ {وهو ما يعني أن الله عز وجل محب ومحبوب.. وله عباده الذين يودونه بالطاعة والعبادة والدعاء الذي يمكن للعبد أن يستخدم فيه أسماء الله الحسنى.. مؤكداً أن الدعاء جرس الإيقاظ ليكون الإنسان متواصلاً مع ربه.. وعليه أن يقدم الرجاء والخوف لربه.. وأن للعبد حظ من هذه الأسماء في سلوكه ومعاملاته مع الناس.
ولفت شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، إلى أن اسم الودود يمكن أن يطلق على الإنسان أيضاً، مع الفارق المودة لدى الإنسان لديها باعث ولها مقابل، أما الله سبحانه وتعالى فهو ودود منذ الأزل ولا يبعثه شيء.. كما أن الودود من صفات المفعول وتعني مانح الود.